المتابع لما يحدث فى السودان يجب أن يفكر فى مستقبل مصر، فالأسباب التى أدت و بسهولة شديدة فى تقسيم واحدة من أهم الدول العربية و الإسلامية يمكن أن تؤدى إلى نفس النتائج لدول عربية أخرى و من بينها بالطبع الدولة الأكبر مصر لأن تلك الأسباب موجودة فى غالبية تلك الدول بشكل أو بأخر.
عندما نستوضح معاً الأسباب التى أدت لتقسيم السودان، سنجد أن السبب الرئيسى و المباشر هو الحكم المستبد الغير الرشيد القائم على القمع و الإستبداد. و لا شك فى أن مثل هذا الحكم الغير مبينى على شرعية جماهيرية أو غير قابل للمحاسبة أو التغيير لا يمكن أن ينتج حالة الإستقرار التى يجب أن تعم أرجاء بلد كبير فى حجم السودان.
فهذا الحكم العسكرى المتسلط أدى إلى مشاكل مزمنة مثل عدم وجود خطط واضحة و منظمة للتنمية. تنمية تشمل مناطق الجنوب و لا تقتصر على الشمال الذى يضم عاصمة الحكم. أصبح إهتمام الحكام فى السودان هو تثبيت أقدامهم فى مواقعهم و تأمين أنفسهم و الإنفاق على المحيط الضيق الذى يحيط بهم فتفشى الفساد فى كل مكان و أُهدرت ثروات البلاد التى تمتلك واحدة من أكبر ثروات المنطقة. فحاكم بلا حساب يساوى شعب بلا حقوق.
عندما يسيطر من لا يستحق على ما لا يملك تذهب موارد البلاد و العباد سدى. و يظهر الظلم و التفرقة فى توزيع الثروة. فكان لابد أن يطلب أهل الجنوب الهروب من ذلك الجحيم الذى وجدوا انفسهم فيه بسبب الحكم العسكرى الغير رشيد الموجود بالشمال.
وبالمقارنة بمصر سنجد أننا و إن كنا بعيدين عن مثل تلك السناريوهات الكارثية، و لكننا نمتلك نفس المقومات التى تجعل من مثل هذه الكوارث أن تحدث. فعندنا نفس طريقة الحكم العسكرى المتسلط الذى لا يريد شيئاً فى الدنيا غير البقاء فى الحكم و يعبىء كل مجهودة بل و مجهود أجهزة الدولة بالكامل من أجل ذلك. و أعطوا لأنفسهم الحكم المطلق فظهر الفساد المطلق و ظهرت الفجوات الكبيرة بين الإغنياء و الفقراء و بين مناطق راقية و أخرى تبحث عن كوب مياه نظيف.
فما المانع أن يحدث مجرد تفكير من مناطق كاملة تبحث عن تنمية منشودة و عدالة فى توزيع الموارد و الثروات التى تتوزع بشكل مثير للإشمئزاز على افراد نظام الحكم أن تنظر إلى حكم بهذا الفساد على أنه الكابوس الذى يجب أن ينقذوا أنفسهم منه؟؟؟
الحكم المبنى على أساس شرعى و شعبى، الحكم القابل للحساب و التغيير، الحكم الذى يحترم الدستور و يطبق القانون على نفسه قبل أن يطبقه على الشعب هو القادر على محاربة الفساد و إرثاء مبادىء العدالة و الأمن القومى مهما كانت مشاكل البلد الذى يحكمه. فهو متغير و متجدد و ترجع شرعيته إلى الشعب نفسه و هو فقط صاحب الحق فى إختياره و تغييرة و محاسبته إن أخطأ. وهذا هو السبيل الوحيد للتنمية الحقيقية و الإستقرار الإجتماعى المنشود