مرة الثانية فى العام نفسه يقدم أحمدالسقا تجربة لا تعتمد عليه كبطل محورى، وإنما على شخصية أخرى، بينما يقومهو بدور «الرجل الثانى» أو الشخصية الأقل كثافة فى كتلتها الدرامية. حيثإن حبكة ابن القنصل تتمحور بالأساس وينحاز ثقلها الدرامى نحو شخصية القنصلنفسه، خالد صالح، وبهذا يصبح السقا أول نجم مصرى من نجوم المرحلة الحاليةيقرر أن يكسر فكرة البطل النجم، وأن يصبح فقط فناناً أو ممثلاً يقدم الدورالذى يحبه مهما كان حجمه بالمقارنة لمساحة أدوار بقية الشخصيات.ونتيجةلهذه المعادلة السليمة تصبح لدينا تجربة محكمة التنفيذ فيما يخص النوع وهوكوميديا المؤامرة، وفيما يخص السرد وتطوير الحبكة وعملية الإيهام المستمربحقيقة ما يحدث. لأن كوميديا المؤامرة تعتمد دائما على خداع المتفرج بنفسالقدر الذى يتم فيه خداع الشخصية الرئيسية التى تحاك حولها المؤامرة،وكأنها تحاك حولنا نحن المتلقين.. وسواء كانت الفكرة مقتبسة أو لا فقداستطاع صناع الفيلم الإمساك بتلك الستارة السحرية التى تحجب كواليسالمؤامرة عن أعين المشاهد طوال الوقت وبقدر الإمكان.نحن أمام شخصيةالقنصل المزور الشهير الذى يتم سجنه لمدة ٣١ سنة وفى مشاهد متوازية نطالعولادة طفل ونشأته وظهور موهبة الرسم والتزييف لديه فى إيهام واضح بأن هذاالطفل هو ابن القنصل نفسه، بينما يلقى إلينا السيناريو بمعلومات سريعة عنغنيمة أخفاها القنصل عن شركائه فى إحدى الجرائم إلى أن يتم سجنه.. ويعتمدالإخراج فى هذا الجزء على اللقطات السريعة الأشبه بفلاشات عابرة للهجومعلى المشاهد وسحبه سريعا نحو صلب الحبكة.. وتستمر عملية الإيهام بوجود ابنبعد مرور سنوات طويلة ليظهر لنا عصام، «السقا»، بمظهره السلفى الدينىالواضح حتى فى مشاهده المنفردة ليجعلنا نقول (يخلق من ضهر الفاسد عالم)،وتتطور الحبكة بسرعة إلى أن يستقر القنصل مع ابنه فى شقته فوق سطح إحدىعمارات الكورنيش ليدور فى هذا الديكور أغلب مشاهد الفيلم فى شكل مسرحىتحكمه وحدة المكان والشخصيات..حيث تظهر شخصية بوسى، «غادة عادل» كعاهرةاستدعاها القنصل من النت لتقيم معه هو وابنه على انها بنت أخت القنصل..وتصبح شقة السطح هى مسرح التفاعل الإنسانى والكوميدى بين الشخصياتالثلاث..ولا ينسى صناع الفيلم أن يقوموا بتهوية المُشاهد بصريا كل فترةببعض اللقطات الخارجية على الكورنيش أو فى الشارع. والشكل المسرحىيناسب إلى حد كبير فكرة المصيدة التى تم نصب شباكها للقنصل من قبل كلالأطراف.. ومن هنا يتسق هذا الشكل مع مضمون الفيلم خصوصاً مع وجود غرفةخلفية للشقة تصبح هى كواليس المسرحية التى يلعب الجميع أدوارهم فيها..وحيث يستخدم السيناريو أكثر من أسلوب كوميدى فهناك كوميديا الإفيه بكثرةمن خلال تعليقات القنصل وتلميحاته الساخرة ثم كوميديا الموقف مثل محاولتهالتسلل للاختلاء ببوسى فى وجود ابنه.. وكوميديا عكس الفعل كأن يقول عصام:«مش هحلق دقنى أبدا» وفى اللقطة التالية نجده يجفف وجهه بعدالحلاقة..ويكتمل الأسلوب بتوظيف الموسيقى بشكل طريف مثل مشهد «زن» القنصلعلى أذن ابنه من أجل الاقتناع بفكرة التزوير بعد أن أصبحت يد القنصلترتعش.. حيث تتوالى اللقطات منتهية بجملة «اسمع كلام أبوك» التى تقولهابوسى لتدخل الموسيقى تحمل صوت الهون الذى يدق للرضيع الصغير مصحوباً بتلكالجملة فى السبوع، وهو فكر كوميدى سمعى بصرى يذكرنا بالمؤثرات السمعيةالطريفة فى سينما فطين عبدالوهاب. وقد أفرز محسن أحمد الكثير مناللقطات الجيدة فى المشاهد الخارجية القليلة للفيلم وبدا محتفياًبالإسكندرية بشكل يحمل الكثير من النوستاليجا أو الحنين للماضى الأوروبىلهذه المدينة سواء فى مشاهد المقابر أو الشاطئ أو الزوايا المنخفضةللعمارات الأربعينية مع استخدام المرور الزمنى السريع. وأضعف نقاط الفيلمهى المساحة التى تأتى بعد اكتشاف المؤامرة ودخول القنصل للسجن حيث يلجأالسيناريو لنظام «الفلاش باك» التقريرى الذى تحكى فيه الشخصيات لبعضها ماعاشته بالفعل.. لأنهم فى الحقيقة يقومون بحكيه للجمهور وهو أسلوب ساذججداً كان الأولى أن يتم حله بصرياً ولو من خلال ذاكرة جمعية أو فلاش باكدون حكى مباشر.. وقد أفسد هذا «الفلاش باك» البدائى فكرة تعددالذرى التى حاول الفيلم تطبيقها، فى النهاية حيث نتصور أن الذروة فى القبضعلى القنصل بعد تجريده من الغنيمة وتلفيق تهمة تزوير عقد بيع له ثم إصابتهبلوثة عقلية يرى فيها ابنه المزيف فى كل من حوله.. لكننا نجد ذروة أخرىعندما تقوم نفس المجموعة التى حبكت له المصيدة بإخراجه من التهمة بعدتلقينه هذا الدرس.. ثم الذروة الأخيرة وهى اكتشاف القنصل ونحن معه بقيةأطراف المؤامرة فى مشهد النهاية الحيوى وشديد الطرافة والذى قد يراه البعضما بعد الذروة.. ولكنه يمثل هو الآخر ذروة ساخرة، وإن كانت أقل أهمية منالذرى السابقة.. وربما كان أهم ما فى الفيلم هو عدم محاولته تقديم أىموعظة أو حكمة أخلاقية من أى نوع! صحيح أن كل شخصياته من المزورينوالمدعين والشخصيات الخارجة عن القانون بشكل أو بآخر لكن التركيز على أنتصبح الحبكة هى المضمون أو طرافة المؤامرة هى الهدف الدرامى أخرج التجربةمن مأزق الأحكام الأخلاقية التى كانت ستفسدها بلا شك.. وهو تأثر واضحبالسينما الأمريكية التجارية التى لا يدخل فيها المجرمون دائما للسجن فىنهاية كل الأفلام.. خاصة الأفلام التى تعتمد على كوميديا المؤامرة والتىيتورط فيها المشاهد فى حب الشخصيات والتعاطف معها.. حتى لو كانت خارجة عنالنظام العام.. بل أحيانا يتوحد المشاهد مع هذه الشخصيات ويعتبرها تقومبتنفيس مكبوتاته أو إفراغ طاقات سلبية محتجزة بداخله.ريفيوتأليف: أيمن بهجت قمرإخراج: عمرو عرفةبطولة: خالد صالح - أحمد السقا - غادة عادل إنتاج: الأخوة المتحدين - سعيد شنبمدة الفيلم: ١١٠ ق